يعني: على غضب. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يتأول ذلك: وغدوا على منع. ويوجهه إلى أنه من قولهم: حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر، وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن، كما قال الشاعر:
فإذا ما حاردت أو بكأت * فت عن حاجب أخرى طينها وهذا قول لا نعلم له قائلا من متقدمي العلم قاله وإن كان له وجه، فإذا كان ذلك كذلك، وكان غير جائز عندنا أن يتعدى ما أجمعت عليه الحجة، فما صح من الأقوال في ذلك إلا أحد الأقوال التي ذكرناها عن أهل العلم. وإذا كان ذلك كذلك، وكان المعروف من معنى الحرد في كلام العرب القصد من قولهم: قد حرد فلان حرد فلان: إذا قصد قصده ومنه قول الراجز:
وجاء سيل كان من أمر الله * يحرد حرد الجنة المغله يعني: يقصد قصدها، صح أن الذي هو أولى بتأويل الآية قول من قال: معنى قوله وغدوا على حرد قادرين وغدوا على أمر قد قصدوه واعتمدوه، واستسروه بينهم، قادرين عليه في أنفسهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فلما رأوها قالوا إنا لضالون * بل نحن محرومون * قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) *.
يقول تعالى ذكره: فلما صار هؤلاء القوم إلى جنتهم، ورأوها محترقا حرثها، أنكروها وشكوا فيها، هل هي جنتهم أم لا؟ فقال بعضهم لأصحابه ظنا منه أنهم قد أغفلوا طريق جنتهم، وأن التي رأوا غيرها: إنا أيها القوم لضالون طريق جنتنا، فقال من علم أنها جنتهم، وأنهم لم يخطئوا الطريق: بل نحن أيها القوم محرومون، حرمنا منفعة جنتنا بذهاب حرثها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
26861 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فلما رأوها قالوا إنا لضالون: أي أضللنا الطريق، بل نحن محرومون، بل جوزينا فحرمنا.