وأما تأويله: فإنه وعيد من الله لعباده وتهدد، كقول القائل الذي يتهدد غيره ويتوعده، ولا شغل له يشغله عن عقابه، لأتفرغن لك، وسأتفرغ لك، بمعنى: سأجد في أمرك وأعاقبك، وقد يقول القائل للذي لا شغل له، قد فرغت لي، وقد فرغت لشتمي: أي أخذت فيه وأقبلت عليه، وكذلك قوله جل ثناؤه: سنفرغ لكم سنحاسبكم، ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجن، فنعاقب أهل المعاصي، ونثيب أهل الطاعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25555 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: سنفرغ لكم أيها الثقلان قال: وعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ.
25556 - حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه تلا سنفرغ لكم أيها الثقلان قال: دنا من الله فراغ لخلقه.
25557 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك سنفرغ لكم أيها الثقلان قال: وعيد، وقد يحتمل أن يوجه معنى ذلك إلى: سنفرغ لكم من وعدناكم ما وعدناكم من الثواب والعقاب.
وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان: فبأي نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعمها عليكم، من ثوابه أهل طاعته، وعقابه أهل معصيته تكذبان؟.
وقوله: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إن استطعتم أن تنفذوا فقال بعضهم:
معنى ذلك: إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السماوات والأرض، فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم، فجوزوا ذلك، فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم، قالوا: وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة. قالوا: ومعنى الكلام: سنفرغ لكم أيها الثقلان، فيقال لهم: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا. ذكر من قال ذلك:
25558 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا