من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه، فكل واحد منهما زوج للآخر، ولذلك قيل: خلقنا زوجين. وإنما نبه جل ثناؤه بذلك من قوله على قدرته على خلق ما يشاء خلقه من شئ، وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه، إذ كل ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين، ولا تصلح للتبريد، وكالثلج الذي شأنه التبريد، ولا يصلح للتسخين، فلا يجوز أن يوصف بالكمال، وإنما كمال المدح للقادر على فعل كل ما شاء فعله من الأشياء المختلفة والمتفقة.
وقوله: لعلكم تذكرون يقول: لتذكروا وتعتبروا بذلك، فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشئ وخلافه، وابتداع زوجين من كل شئ لا ما لا يقدر على ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين * ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين) *.
يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالايمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته إني لكم منه نذير يقول: إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه، وأخوفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم الذي قص عليكم قصصهم، والذي هو مذيقهم في الآخرة.
وقوله: مبين يقول: يبين لكم نذارته.
وقوله: ولا تجعلوا مع الله إلها آخر يقول جل ثناؤه: ولا تجعلوا أيها الناس مع معبودكم الذي خلقكم معبودا آخر سواه، فإنه لا معبود تصلح له العبادة غيره إني لكم منه نذير مبين يقول: إني لكم أيها الناس نذير من عقابه على عبادتكم إلها غيره، مبين قد أبان لكم النذارة. القول في تأويل قوله تعالى:
* (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون) *.
يقول تعالى ذكره: كما كذبت قريش نبيها محمدا (ص)، وقالت: هو شاعر، أو ساحر أو مجنون، كذلك فعلت الأمم المكذبة رسلها، الذين أحل الله بهم نقمته، كقوم نوح وعاد