والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الكسر والفتح في الألف في هذا الموضع قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن العرب إذا تقدم أن وهي بمعنى الجزاء فعل مستقبل كسروا ألفها أحيانا، فمحضوا لها الجزاء، فقالوا: أقوم إن قمت، وفتحوها أحيانا، وهم ينوون ذلك المعنى، فقالوا: أقوم أن قمت بتأول، لان قمت، فإذا كان الذي تقدمها من الفعل ماضيا لم يتكلموا إلا بفتح الألف من أن فقالوا: قمت أن قمت، وبذلك جاء التنزيل، وتتابع شعر الشعراء.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (وكم أرسلنا من نبي في الأولين ئ وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون) *.
يقول تعالى ذكره: وكم أرسلنا من نبي يا محمد في القرون الأولين الذين مضوا قبل قرنك الذي بعثت فيه كما أرسلناك في قومك من قريش وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون يقول وما كان يأتي قرنا من أولئك القرون وأمة من أولئك الأمم الأولين لنا من نبي يدعوهم إلى الهدى وطريق الحق، إلا كان الذين يأتيهم ذلك من تلك الأمم نبيهم الذي أرسله إليهم يستهزؤون سخرية منهم بهم كاستهزاء قومك بك يا محمد. يقول: فلا يعظمن عليك ما يفعل بك قومك، ولا يشقن عليك، فإنهم إنما سلكوا في استهزائهم بك مسلك أسلافهم، ومنهاج أئمتهم الماضين من أهل الكفر بالله.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين) *.
يقول تعالى ذكره: فأهلكنا أشد من هؤلاء المستهزئين بأنبيائهم بطشا إذا بطشوا فلم يعجزونا بقواهم وشدة بطشهم، ولم يقدروا على الامتناع من بأسنا إذ أتاهم، فالذين هم أضعف منهم قوة أحرى أن لا يقدروا على الامتناع من نقمنا إذا حلت بهم ومضى مثل الأولين يقول جل ثناؤه: ومضى لهؤلاء المشركين المستهزئين بك ولمن قبلهم من ضربائهم مثلنا لهم في أمثالهم من مكذبي رسلنا الذين أهلكناهم، يقول: فليتوقع هؤلاء