الدنيا استدراجا من الله له، وحسب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده وحوله، وأن موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه، فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة محتجا على جهلة قومه بأن موسى عليه السلام لو كان محقا فيما يأتي به من الآيات والعبر، ولم يكن ذلك سحرا، لأكسب نفسه من الملك والنعمة، مثل الذي هو فيه من ذلك جهلا بالله واغترارا منه بإملائه إياه.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ئ فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) *.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه، وبيان لسانه وتمام خلقه، وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أنا خير أيها القوم، وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم، أم هذا الذي هو مهين لا شئ له من الملك والأموال مع العلة التي في جسده، والآفة التي بلسانه، فلا يكاد من أجلها يبين كلامه؟
وقد اختلف في معنى قوله: أم في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناها: بل أنا خير، وقالوا: ذلك خبر، لا استفهام. ذكر من قال ذلك:
23895 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: أم أنا خير من هذا الذي هو مهين قال: بل أنا خير من هذا. وبنحو ذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة.
وقال بعض نحويي الكوفة، هو من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله.
قال: وإن شئت رددته على قوله: أليس لي ملك مصر؟ وإذا وجه الكلام إلى أنه استفهام، وجب أن يكون في الكلام محذوف استغني بذكر ما ذكر مما ترك ذكره، ويكون معنى الكلام حينئذ: أنا خير أيها القوم من هذا الذي هو مهين، أم هو؟.
وذكر عن بعض القراء أنه كان يقرأ ذلك أما أنا خير.