ثم اختلف أهل التأويل في الباغي الذي حمد تعالى ذكره، المنتصر منه بعد بغيه عليه، فقال بعضهم: هو المشرك إذا بغى على المسلم. ذكر من قال ذلك:
23739 - حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب قال: قال ابن زيد: ذكر المهاجرين صنفين، صنفا عفا، وصنفا انتصر، وقرأ والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون قال: فبدأ بهم والذين استجابوا لربهم... إلى قوله: ومما رزقناهم ينفقون وهم الأنصار. ثم ذكر الصنف الثالث فقال: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون من المشركين. وقال آخرون: بل هو كل باغ بغي فحمد المنتصر منه. ذكر من قال ذلك:
23740 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله:
والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون قال: ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا.
وهذا القول الثاني أولى في ذلك بالصواب، لان الله لم يخصص من ذلك معنى دون معنى، بل حمد كل منتصر بحق ممن بغى عليه.
فإن قال قائل: وما في الانتصار من المدح؟ قيل: إن في إقامة الظالم على سبيل الحق وعقوبته بما هو له أهل تقويما له، وفي ذلك أعظم المدح.
وقوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها وقد بينا فيما مضى معنى ذلك، وأن معناه: وجزاء سيئة المسئ عقوبته بما أوجبه الله عليه، فهي وإن كانت عقوبة من الله أوجبها عليه، فهي مساءة له. والسيئة: إنما هي الفعلة من السوء، وذلك نظير قول الله عز وجل ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وقد قيل: إن معنى ذلك: أن يجاب القائل الكلمة القزعة بمثلها. ذكر من قال ذلك:
23741 - حدثني يعقوب، قال: قال لي أبو بشر: سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله:
وجزاء سيئة سيئة مثلها قال: يقول أخزاه الله، فيقول: أخزاه الله.
23742 - حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله: