يقول تعالى ذكره: وأما الذين جحدوا وحدانية الله، وأبوا إفراده في الدنيا بالألوهية، فيقال لهم: ألم تكن آياتي في الدنيا تتلى عليكم.
فإن قال قائل: أو ليست أما تجاب بالفاء، فأين هي؟ فإن الجواب أن يقال: هي الفاء التي في قوله أفلم. وإنما وجه الكلام في العربية لو نطق به على بيانه، وأصله أن يقال:
وأما الذين كفروا، فألم تكن آياتي تتلى عليكم، لان معنى الكلام: وأما الذين كفروا فيقال لهم ألم، فموضع الفاء في ابتداء المحذوف الذي هو مطلوب في الكلام، فلما حذفت يقال: وجاءت ألف استفهام، حكمها أن تكون مبتدأة بها، ابتدئ بها، وجعلت الفاء بعدها، وقد تسقط العرب الفاء التي هي جواب أما في مثل هذا الموضع أحيانا إذا أسقطوا الفعل الذي هو في محل جواب أما كما قال جل ثناؤه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فحذفت الفاء، إذ كان الفعل الذي هو في جواب أما محذوفا، وهو فيقال، وذلك أن معنى الكلام: فأما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم: أكفرتم، فلما أسقطت، يقال الذي به تتصل الفاء سقطت الفاء التي هي جواب أما.
وقوله: فاستكبرتم يقول: فاستكبرتم عن استماعها والايمان بها وكنتم قوما مجرمين يقول: وكنتم قوما تكسبون الآثام والكفر بالله، لا تصدقون بمعاد، ولا تؤمنون بثواب ولا عقاب.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) *.
يقول تعالى ذكره: ويقال لهم حينئذ: وإذا قيل لكم إن وعد الله الذي وعد عباده، أنه محييهم من بعد مماتهم، وباعثهم من قبورهم حق، والساعة التي أخبرهم أنه يقيمها لحشرهم، وجمعهم للحساب والثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية، آتية لا ريب فيها يقول: لا شك فيها، يعني في الساعة، والهاء في قوله: فيها من ذكر الساعة. ومعنى الكلام: والساعة لا ريب في قيامها، فاتقوا الله وآمنوا بالله ورسوله، واعملوا لما ينجيكم من عقاب الله فيها قلتم ما ندري ما الساعة تكذيبا منكم بوعد الله جل ثناؤه، وردا لخبره، وإنكارا لقدرته على إحيائكم من بعد مماتكم.