وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من دون الله الشفاعة عنده لاحد، إلا من شهد بالحق، وشهادته بالحق:
هو إقراره بتوحيد الله، يعني بذلك: إلا من آمن بالله، وهم يعلمون حقيقة توحيده، ولم يخصص بأن الذي لا يملك ملك الشفاعة منهم بعض من كان يعبد من دون الله، فذلك على جميع من كان تعبد قريش من دون الله يوم نزلت هذه الآية وغيرهم، وقد كان فيهم من يعبد من دون الله الآلهة، وكان فيهم من يعبد من دونه الملائكة وغيرهم، فجميع أولئك داخلون في قوله: ولا يملك الذين يدعو قريش وسائر العرب من دون الله الشفاعة عند الله. ثم استثنى جل ثناؤه بقوله: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وهم الذين يشهدون شهادة الحق فيوحدون الله، ويخلصون له الوحدانية، على علم منهم ويقين بذلك، أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها، كما قال جل ثناؤه: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى فأثبت جل ثناؤه للملائكة وعيسى وعزير ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان باستثنائه الذي استثناه.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ئ وقيله يرب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون) *.
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم؟ ليقولن: الله خلقنا فأنى يؤفكون فأي وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم، ويحرمون إصابة الحق في عبادته.
وقوله: وقيله: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون اختلفت القراء في قراءة قوله:
وقيله فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والبصرة وقيله بالنصب. وإذا قرئ ذلك كذلك، كان له وجهان في التأويل: أحدهما العطف على قوله: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، ونسمع قيله يا رب. والثاني: أن يضمر له ناصب، فيكون معناه حينئذ:
وقال قوله: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون وشكا محمد شكواه إلى ربه. وقرأته عامة قراء الكوفة وقيله بالخفض على معنى: وعنده علم الساعة، وعلم قيله.