هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله، عن سبيل الحق، فيزينون لهم الضلالة، ويكرهون إليهم الايمان بالله، والعمل بطاعته ويحسبون أنهم مهتدون يقول: ويظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة، أنهم على الحق والصواب، يخبر تعالى ذكره عنهم أنهم من الذي هم عليه من الشرك على شك وعلى غير بصيرة. وقال جل ثناؤه: وإنهم ليصدونهم عن السبيل فأخرج ذكرهم مخرج ذكر الجميع، وإنما ذكر قبل واحدا، فقال: نقيض له شيطانا لان الشيطان وإن كان لفظه واحدا، ففي معنى جمع.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (حتى إذا جاءنا قال يليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ئ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) *.
اختلفت القراء في قراءة قوله: حتى إذا جاءنا فقرأته عامة قراء الحجاز سوى ابن محيصن، وبعض الكوفيين وبعض الشاميين حتى إذا جاءانا على التثنية بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا الذي عشي عن ذكر الرحمن، وقرينه الذي قيض له من الشياطين. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة وابن محيصن: حتى إذا جاءنا على التوحيد، بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أن في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا، الكفاية للسامع عن خبر الآخر، إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الآخر، وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23872 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: حتى إذا جاءانا هو وقرينه جميعا.
وقوله: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين يقول تعالى ذكره: قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر: وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين: أي بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب اسم أحدهما على الآخر، كما قيل: شبه القمرين، وكما قال الشاعر: