وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى: إن الشرط الذي يقتضي الجزاء على ما ذكرناه عن السدي، وذلك أن إن لا تعدو في هذا الموضع أحد معنيين: إما أن يكون الحرف الذي هو بمعنى الشرط الذي يطلب الجزاء، أو تكون بمعنى الجحد، وهب إذا وجهت إلى الجحد لم يكن للكلام كبير معنى، لأنه يصير بمعنى: قل ما كان للرحمن ولد، وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك بالله أنه إنما نفي بذلك عن الله عز وجل أن يكون له ولد قبل بعض الأوقات، ثم أحدث له الولد بعد أن لم يكن، مع أنه لو كان ذلك معناه لقدر الذين أمر الله نبيه محمدا (ص) أن يقول لهم: ما كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين أن يقولوا له صدقت، وهو كما قلت، ونحن لم نزعم أنه لم يزل له ولد. وإنما قلنا: لم يكن له ولد، ثم خلق الجن فصاهرهم، فحدث له منهم ولد، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه، ولم يكن الله تعالى ذكره ليحتج لنبيه (ص) وعلى مكذبيه من الحجة بما يقدرون على الطعن فيه، وإذ كان في توجيهنا إن إلى معنى الجحد ما ذكرنا، فالذي هو أشبه المعنيين بها الشرط. وإذ كان ذلك كذلك، فبينة صحة ما نقول من أن معنى الكلام: قل يا محمد لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله: إن كان للرحمن ولد فأنا أول عابديه بذلك منكم، ولكنه لا ولد له، فأنا أعبده بأنه لا ولد له، ولا ينبغي أن يكون له.
وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه الشك، ولكن على وجه الألطاف في الكلام وحسن الخطاب، كما قال جل ثناؤه قل الله، وأنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين.
وقد علم أن الحق معه، وأن مخالفيه في الضلال المبين.
وقوله: سبحان رب السماوات والأرض يقول تعالى ذكره تبرئة وتنزيها لمالك السماوات والأرض ومالك العرش المحيط بذلك كله، وما في ذلك من خلق مما يصفه به هؤلاء المشركون من الكذب، ويضيفون إليه من الولد وغير ذلك من الأشياء التي لا ينبغي أن تضاف إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23989 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: رب العرش عما يصفون: أي يكذبون.