وقال آخرون: معنى ذلك: أنها لا تغول عقولهم. ذكر من قال ذلك:
22497 حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي لا فيها غول قال: لا تغتال عقولهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليس فيها أذى ولا مكروه. ذكر من قال ذلك:
حدثت عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، في قوله: لا فيها غول قال: أذى ولا مكروه.
22498 حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا عبد الله بن بزيعة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، في قوله: لا فيها غول قال: ليس فيها أذى ولا مكروه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليس فيها إثم.
ولكل هذه الأقوال التي ذكرناها وجه، وذلك أن الغول في كلام العرب: هو ما غال الانسان فذهب به، فكل من ناله أمر يكرهه ضربوا له بذلك المثل، فقالوا: غالت فلانا غول، فالذاهب العقل من شرب الشراب، والمشتكي البطن منه، والمصدع الرأس من ذلك، والذي ناله منه مكروه كلهم قد غالته غول فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره قد نفى عن شراب الجنة أن يكون فيه غول، فالذي هو أولى بصفته أن يقال فيه كما قال جل ثناؤه لا فيها غول فيعم بنفي كل معاني الغول عنه، وأعم ذلك أن يقال: لا أذى فيها ولا مكروه على شاربيها في جسم ولا عقل، ولا غير ذلك.
واختلفت القراء في قراءة قوله ولا هم عنها ينزفون فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة ينزفون بفتح الزاي، بمعنى: ولا هم عن شربها تنزف عقولهم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: ولا هم عنها ينزفون بكسر الزاي، بمعنى: ولا هم عن شربها ينفد شرابهم.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى غير مختلفتيه، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب وذلك أن أهل الجنة لا ينفد شرابهم، ولا يسكرهم شربهم إياه، فيذهب عقولهم.