أبني لبينى لستم بيد إلا يد ليست لها عضد وإذا وجهت الألف إلى النداء كان معنى الكلام: قل تمتع أيها الكافر بكفرك قليلا، إنك من أصحاب النار، ويا من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما إنك من أهل الجنة، ويكون في النار عمى للفريق الكافر عند الله من الجزاء في الآخرة، الكفاية عن بيان ما للفريق المؤمن، إذ كان معلوما اختلاف أحوالهما في الدنيا، ومعقولا أن أحدهما إذا كان من أصحاب النار لكفره بربه أن الآخر من أصحاب الجنة، فحذف الخبر عما له، اكتفاء بفهم السامع المراد منه من ذكره، إذ كان قد دل على المحذوف بالمذكور. والثاني: أن تكون الألف التي في قوله: أمن ألف استفهام، فيكون معنى الكلام: أهذا كالذي جعل لله أندادا ليضل عن سبيله، ثم اكتفى بما قد سبق من خبر الله عن فريق الكفر به من أعدائه، إذ كان مفهوما المراد بالكلام، كما قال الشاعر:
فأقسم لو شئ أتانا رسوله * سواك ولكن لم نجد لك مدفعا فحذف لدفعناه وهو مراد في الكلام إذ كان مفهوما عند السامع مراده. وقرأ ذلك بعض قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: أمن بتشديد الميم، بمعنى: أم من هو؟
ويقولون: إنما هي أمن استفهام اعترض في الكلام بعد كلام قد مضى، فجاء بأم فعلى هذا التأويل يجب أن يكون جواب الاستفهام متروكا من أجل أنه قد جرى الخير عن فريق الكفر، وما أعد له في الآخرة، ثم أتبع الخبر عن فريق الايمان، فعلم بذلك المراد، فاستغني بمعرفة السامع بمعناه من ذكره، إذ كان معقولا أن معناه: هذا أفضل أم هذا؟.
والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان قرأ بكل واحدة علماء من القراء مع صحة كل واحدة منهما في التأويل والاعراب، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.