وقوله: وشددنا ملكه اختلف أهل التأويل في المعنى الذي به شدد ملكه، فقال بعضهم: شدد ذلك بالجنود والرجال، فكان يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف، أربعة آلاف. ذكر من قال ذلك:
22998 حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: وشددنا ملكه قال: كان يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف أربعة آلاف.
وقال آخرون: كان الذي شدد به ملكه، أن أعطي هيبة من الناس له لقضية كان قضاها. ذكر من قال ذلك:
22899 حدثني ابن حرب، قال: ثنا موسى، قال: ثنا داود، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رجلا من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم، فاجتمعا عند داود النبي (ص) فقال المستعدي: إن هذا اغتصبني بقرا لي، فسأل داود الرجل عن ذلك فجحده، فسأل الآخر البينة، فلم يكن له بينة، فقال لهما داود: قوما حتى أنظر في أمركما فقاما من عنده، فأوحى الله إلى داود في منامه أن يقتل الرجل الذي استعدي عليه، فقال: هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت، فأوحى الله إلى داود في منامه مرة أخرى أن يقتل الرجل، وأوحى الله إليه الثالثة أن يقتله أو تأتيه العقوبة من الله، فأرسل داود إلى الرجل: إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك، فقال الرجل: تقتلني بغير بينة ولا تثبت؟ فقال له داود: نعم، والله لأنفذن أمر الله فيك فلما عرف الرجل أنه قاتله، قال: لا تعجل علي حتى أخبرك، إني والله وما أخذت بهذا الذنب، ولكني كنت اغتلت والد هذا فقتلته، فبذلك قتلت، فأمر به داود فقتل، فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك لداود، وشدد به ملكه، فهو قول الله:
وشددنا ملكه.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر أنه شدد ملك داود، ولم يحضر ذلك من تشديده على التشديد بالرجال والجنود دون الهيبة من الناس له ولا على هيبة الناس له دون الجنود. وجائز أن يكون تشديده ذلك كان ببعض ما ذكرنا وجائز أن يكون كان بجميعها، ولا قول أولى في ذلك بالصحة من قول الله، إذ لم يحصر ذلك على بعض معاني التشديد خبر يجب التسليم له.
وقوله: وآتيناه الحكمة اختلف أهل التأويل في معنى الحكمة في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني بها النبوة. ذكر من قال ذلك: