قال أبو جعفر: وقد جعل بعض أهل المعرفة بكلام العرب وراء من حروف الأضداد، وزعم أنه يكون لما هو أمامه ولما خلفه، واستشهد لصحة ذلك بقول الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي * وقومي تميم والفلاة ورائيا بمعنى أمامي، وقد أغفل وجه الصواب في ذلك. وإنما قيل لما بين يديه: هو ورائي، لأنك من ورائه، فأنت ملاقيه كما هو ملاقيك، فصار: إذ كان ملاقيك، كأنه من ورائك وأنت أمامه. وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة لا يجيز أن يقال لرجل بين يديك: هو ورائي، ولا إذا كان وراءك أن يقال: هو أمامي، ويقول: إنما يجوز ذلك في المواقيت من الأيام والأزمنة كقول القائل: وراءك برد شديد، وبين يديك حر شديد، لأنك أنت وراءه، فجاز لأنه شئ يأتي، فكأنه إذا لحقك صار من ورائك، وكأنك إذا بلغته صار بين يديك. قال: فلذلك جاز الوجهان.
وقوله: يأخذ كل سفينة غصبا فيقول القائل: فما أغنى خرق هذا العالم السفينة التي ركبها عن أهلها، إذ كان من أجل خرقها يأخذ السفن كلها، معيبها وغير معيبها، وما كان وجه اعتلاله في خرقها بأنه خرقها، لان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا؟ قيل: إن معنى ذلك، أنه يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا، ويدع منها كمعيبة، لا أنه كان يأخذ صحاحها وغير صحاحها. فإن قال: وما الدليل على أن ذلك كذلك؟ قيل: قوله: فأردت أن أعيبها فأبان بذلك أنه إنما عابها، لان المعيبة منها لا يعرض لها، فاكتفى بذلك من أن يقال: وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا على أن ذلك في بعض القراءات كذلك.
17521 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: هي في حرف ابن مسعود: وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا.
17522 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني الحسن بن دينار، عن الحكم بن عيينة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: في قراءة أبي:
وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. وإنما عبتها لأرده عنها.
17523 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج