حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه يقول: آيات ربه أرى تمثال الملك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان بعض أهل العلم فيما بلغني يقول: البرهان الذي رأى يوسف فصرف عنه السوء والفحشاء: يعقوب عاضا على أصبعه، فلما رآه انكشف هاربا. ويقول بعضهم: إنما هو خيال إطفير سيده حين دنا من الباب، وذلك أنه لما هرب منها واتبعه ألفياه لدى الباب.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن هم يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آية من آيات الله، زجرته عن ركوب ما هم به يوسف من الفاحشة. وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب، وجائز أن تكون صورة الملك، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا، ولا حجة للعذر قاطعة بأي ذلك من أي. والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والايمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه.
وقوله: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء يقول تعالى ذكره: كما رأينا يوسف برهاننا على الزجر عما هم بمن الفاحشة، كذلك نسبب له في كل ما عرض له من هم يهم به فيما لا يرضاه ما يزجره ويدفعه عنه كي نصرف عنه ركوب ما حرمنا عليه وإتيان الزنا، لنطهره من دنس ذلك.
وقوله: إنه من عبادنا المخلصين اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة: إنه من عبادنا المخلصين بفتح اللام من المخلصين، بتأويل: إن يوسف من عبادنا الذين أخلصناهم لأنفسنا واخترناهم لنبوتنا ورسالتنا. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة: إنه من عبادنا المخلصين بكسر اللام، بمعنى: أن يوسف من عبادنا الذين أخلصوا توحيدنا وعبادتنا، فلم يشركوا بنا شيئا، ولم يعبدوا شيئا غيرنا.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثيرة من من القراء، وهما متفقتا المعنى وذلك أن من أخلصه الله لنفسه فاختاره، فهو مخلص لله التوحيد والعبادة، ومن أخلص توحيد الله وعبادته فلم يشرك بالله شيئا، فهو ممن أخلصه الله، فبأيتهما قرأ القارئ فهو الصواب مصيب. القول في تأويل قوله تعالى: