قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إن الله أخبر أنه يعذب هؤلاء الذين مردوا على النفاق مرتين، ولم يضع لنا دليلا نتوصل به إلى علم صفة ذينك العذابين وجائز أن يكون بعض ما ذكرنا عن القائلين ما أنبئنا عنهم، وليس عندنا علم بأي ذلك من بأي. على أن في قوله جل ثناؤه: ثم يردون إلى عذاب عظيم دلالة على أن العذاب في المرتين كلتيهما قبل دخولهم النار، والأغلب من إحدى المرتين أنها في القبر.
وقوله: ثم يردون إلى عذاب عظيم يقول: ثم يرد هؤلاء المنافقون بعد تعذيب الله إياهم مرتين إلى عذاب عظيم، وذلك عذاب جهنم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) *.
يقول تعالى ذكره: ومن أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق، ومنهم آخرون اعترفوا بذنوبهم، يقول: أقروا بذنوبهم. خلطوا عملا صالحا يعني جل ثناؤه بالعمل الصالح الذي خلطوه بالعمل السيئ: اعترافهم بذنوبهم وتوبتهم منها، والآخر السيئ هو تخلفهم عن رسول الله (ص) حين خرج غازيا، وتركهم الجهاد مع المسلمين، فإن قال قائل: وكيف قيل: خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، وإنما الكلام: خلطوا عملا صالحا بآخر سيئ؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فكان بعض نحويي البصرة يقول: قيل ذلك كذلك، وجائز في العربية أن يكون بآخر كما تقول: استوى الماء والخشبة أي بالخشبة، وخلطت الماء واللبن. وأنكر آخرون أن يكون نظير قولهم:
استوى الماء والخشبة. واعتل في ذلك بأن الفعل في الخلط عامل في الأول والثاني، وجائز تقديم كل واحد منهما على صاحبه، وأن تقديم الخشبة على الماء غير جائز في قولهم:
استوى الماء والخشبة، وكان ذلك عندهم دليلا على مخالفة ذلك الخلط. قال أبو جعفر:
والصواب من القول في ذلك عندي أنه بمعنى قولهم: خلطت الماء واللبن، بمعنى خلطته باللبن.
عسى الله أن يتوب عليهم يقول: لعل الله أن يتوب عليهم. وعسى من الله واجب، وإنما معناه: سيتوب الله عليهم، ولكنه في كلام العرب على ما وصفت. إن الله غفور رحيم يقول: إن الله ذو صفح وعفو لمن تاب عن ذنوبه وساتر له عليها رحيم أن يعذبه بها.