* (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فأنهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين) *.
اختلفت القراء في قراءة قوله: أفمن أسس بنيانه فقرأ ذلك بعض قراء أهل المدينة: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على وجه ما لم يسم فاعله في الحرفين كليهما. وقرأت ذلك عامة قراء الحجاز والعراق: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على وصف من بناء الفاعل الذي أسس بنيانه. وهما قراءتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب غير أن قراءته بتوجيه الفعل إلى من إذا كان هو المؤسس أعجب إلي.
فتأويل الكلام إذا: أي هؤلاء الذين بنوا المساجد خير أيها الناس عندكم الذين ابتدأوا بناء مسجدهم على اتقاء الله بطاعتهم في بنائه وأداء فرائضه ورضا من الله لبنائهم ما بنوه من ذلك وفعلهم ما فعلوه خير، أم الذين ابتدأوا بناء مسجدهم على شفا جرف هار، يعني بقوله: على شفا جرف على حرف جر، والجرف من الركي ما لم يبن له جول.
هار يعني متهور، وإنما هو هائر ولكنه قلب، فأخرت ياؤها، فقيل هار كما قيل: هو شاك السلاح وشائك، وأصله من هار يهور فهو هائر وقيل: هو من هار يهار: إذا انهدم، ومن جعله من هذه اللغة قال: هرت يا جرف ومن جعله من هار يهور قال: هرت يا جرف وإنما هذا مثل. يقول تعالى ذكره: أي هذين الفريقين خير، وأي هذين البناءين أثبت، أمن ابتدأ أساس بنائه على طاعة الله وعلم منه بأن بناءه لله طاعة والله به راض، أم من ابتدأه بنفاق وضلال وعلى غير بصيرة منه بصواب فعله من خطئه، فهو لا يدري متى يتبين له خطأ فعله وعظيم ذنبه فيهدمه، كما يأتي البناء على جرف ركية لا حابس لماء السيول عنها ولغيره من المياه ترى به التراب متناثرا لا تلبثه السيول أن تهدمه وتنثره؟ يقول الله جل ثناؤه: فأنهار به في جهنم يعني فانتثر الجرف الهاري ببنائه في نار جهنم. كما