يقول تعالى ذكره: ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ، وسائر ما ذكر، ولا ينالون من عدو نيلا، ولا ينفقون نفقة صغيرة في سبيل الله، ولا يقطعون مع رسول الله في غزوه واديا إلا كتب لهم أجر عملهم ذلك، جزاء لهم عليه كأحسن ما يجزيهم على أحسن أعمالهم التي كانوا يعملونها وهم مقيمون في منازلهم. كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة... الآية، قال: ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بعدا إلا ازدادوا من الله قربا. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) *.
يقول تعالى ذكره: ولم يكن المؤمنون لينفروا جميعا. وقد بينا معنى الكافة بشواهده وأقوال أهل التأويل فيه، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله بهذه الآية وما النفر الذي كرهه لجميع المؤمنين، فقال بعضهم: هو نفر كان من قوم كانوا بالبادية بعثهم رسول الله (ص) يعلمون الناس الاسلام، فلما نزل قوله: ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله انصرفوا عن البادية إلى النبي (ص) خشية أن يكونوا ممن تخلف عنه وممن عني بالآية. فأنزل الله في ذلك عذرهم بقوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة وكره انصراف جميعهم من البادية إلى المدينة. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة قال: ناس من أصحاب محمد (ص) خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفا ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال الناس لهم: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجا، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي (ص)، فقال الله: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة يبتغون الخير، ليتفقهوا وليسمعوا ما في الناس، وما أنزل الله بعدهم، ولينذروا قومهم الناس كلهم، إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.