الغيب والشهادة يقول: ثم ترجعون بعد مماتكم إلى عالم الغيب والشهادة يعني الذي يعلم السر والعلانية الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها. فينبئكم بما كنتم تعلمون فيخبركم بأعمالكم كلها سيئها وحسنها، فيجازيكم بها الحسن منها بالحسن والسيئ منها بالسيئ. القول في تأويل قوله تعالى:
* (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) *.
يقول تعالى ذكره: سيحلف أيها المؤمنون بالله لكم هؤلاء المنافقون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، إذا انقلبتم إليهم يعني: إذا انصرفتم إليهم من غزوكم، لتعرضوا عنهم فلا تؤنبوهم. فأعرضوا عنهم يقول جل ثناؤه للمؤمنين: فدعوا تأنيبهم وخلوهم، وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق. إنهم رجس ومأواهم جهنم يقول:
إنهم نجس ومأواهم جهنم، يقول: ومصيرهم إلى جهنم وهي مسكنهم الذي يأوونه في الآخرة. جزاء بما كانوا يكسبون يقول: ثوابا بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا من معاصي الله. وذكر أن هذه الآية نزلت في رجلين من المنافقين قالا ما:
حدثنا به محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا... إلى:
بما كانوا يكسبون وذلك أن رسول الله (ص) قيل له: ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب بنت عظيم الروم، فإنهم حسان فقال رجلان: قد علمت يا رسول الله أن النساء فتنة، فلا تفتنا بهن، فأذن لنا فأذن لهما فلما انطلقا، قال أحدهما: إن هو إلا شحمة لأول آكل.
فسار رسول الله (ص)، ولم ينزل عليه في ذلك شئ، فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المياه: لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة، ونزل عليه: عفا الله عنك لم أذنت لهم، ونزل عليه: لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ونزل عليه: إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما