وعقوبة منكم من المكر في آيات الله. والعرب تكتفي بإذا من فعلت وفعلوا، فلذلك حذف الفعل معها. وإنما معنى الكلام: وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم مكروا في آياتنا، فاكتفى من مكروا، ب إذا لهم مكر. إن رسلنا يكتبون ما تمكرون يقول: إن حفظتنا الذين نرسلهم إليكم أيها الناس يكتبون عليكم ما تمكرون في آياتنا.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) *.
يقول تعالى ذكره: الله الذي يسيركم أيها الناس في البر على الظهر وفي البحر في الفلك حتى إذا كنتم في الفلك وهي السفن، وجرين بهم يعني: وجرت الفلك بالناس، بريح طيبة في البحر، وفرحوا بها يعني: وفرح ركبان الفلك بالريح الطيبة التي يسيرون بها. والهاء في قوله: بها عائدة على الريح الطيبة. جاءتها ريح عاصف يقول: جاءت الفلك ريح عاصف، وهي الشديدة، والعرب تقول: ريح عاصف وعاصفة، وقد أعصفت الريح وعصفت وأعصفت في بني أسد فيما ذكر، قال بعض بني دبير:
حتى إذا أعصفت ريح مزعزعة * فيها قطار ورعد صوته زجل وجاءهم الموج من كل مكان يقول تعالى ذكره: وجاء ركبان السفينة الموج من كل مكان. وظنوا أنهم أحيط بهم يقول: وظنوا أن الهلاك قد أحاط بهم وأحدق. دعوا الله مخلصين له الدين يقول: أخلصوا الدعاء لله هنالك دون أوثانهم وآلهتهم، وكان مفزعهم حينئذ إلى الله دونها. كما:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: دعوا الله مخلصين له الدين قال: إذا مسهم الضر في البحر أخلصوا له الدعاء.