إن الملائكة التي تحضره عند خروج نفسه، تقول لنفسه: أخرجي إلى رحمة الله ورضوانه. ومنها: بشرى الله إياه ما وعده في كتابه وعلى لسان رسوله (ص) من الثواب الجزيل، كما قال جل ثناؤه: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار... الآية. وكل هذه المعاني من بشرى الله إياه في الحياة الدنيا بشره بها، ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى، فذلك مما عمه جل ثناؤه أن لهم البشرى في الحياة الدنيا وأما في الآخرة فالجنة.
وأما قوله: لا تبديل لكلمات الله فإن معناه: إن الله لا خلف لوعده ولا تغيير لقوله عما قال ولكنه يمضي لخلقه مواعيده وينجزها لهم. وقد:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية عن أيوب، عن نافع، قال:
أطال الحجاج الخطبة، فوضع ابن عمر رأسه في حجري، فقال الحجاج: إن ابن الزبير بدل كتاب الله فقعد ابن عمر فقال: لا تستطيع أنت ذاك ولا ابن الزبير لا تبديل لكلمات الله. فقال الحجاج لقد أوتيت علما أن تفعل. قال أيوب: فلما أقبل عليه في خاصة نفسه سكت وقوله: ذلك هو الفوز العظيم يقول تعالى ذكره: هذه البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة هي الفوز العظيم، يعني الظفر بالحاجة والطلبة والنجاة من النار القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم) *.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): لا يحزنك يا محمد قول هؤلاء المشركين في ربهم ما يقولون، وإشراكهم معه الأوثان والأصنام فإن العزة لله جميعا، يقول تعالى ذكره: فإن الله هو المنفرد بعزة الدنيا والآخرة لا شريك له فيها، وهو المنتقم من هؤلاء المشركين القائلين فيه من القول الباطل ما يقولون، فلا ينصرهم عند انتقامه منهم أحد، لأنه لا يعازه شئ. وهو السميع العليم يقول: وهو ذو السمع لما يقولون من الفرية والكذب عليه،