وقال آخرون: بل معناه: أنهم يختبرون بما يشيع المشركون من الأكاذيب على رسول الله (ص) وأصحابه، فيفتتن بذلك الذين في قلوبهم مرض. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن إسحاق قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن جابر، عن أبي الضحى، عن حذيفة: أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين قال: كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين، فيضل بها فئام من الناس كثير.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن جابر، عن أبي الضحى، عن حذيفة، قال: كان لهم في كل عام كذبة أو كذبتان.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله عجب عباده المؤمنين من هؤلاء المنافقين، ووبخ المنافقين في أنفسهم بقلة تذكرهم وسوء تنبههم لمواعظ الله التي يعظهم بها. وجائز أن تكون تلك المواعظ الشدائد التي ينزلها بهم من الجوع والقحط، وجائز أن تكون ما يريهم من نصرة رسوله على أهل الكفر به ويرزقه من إظهار كلمته على كلمتهم، وجائز أن تكون ما يظهر للمسلمين من نفاقهم وخبث سرائرهم بركونهم إلى ما يسمعون من أراجيف المشركين برسول الله (ص) وأصحابه. ولا خبر يوجب صحة بعض ذلك، دون بعض من الوجه الذي يجب التسليم له، ولا قول في ذلك أولى بالصواب من التسليم لظاهر قول الله، وهو: أو لا يرون أنهم يختبرون في كل عام مرة أو مرتين بما يكون زاجرا لهم ثم لا ينزجرون ولا يتعظون. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) * يقول تعالى ذكره: وإذا ما أنزلت سورة من القرآن فيها عيب هؤلاء المنافقين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هذه السورة، وهم عند رسول الله (ص) نظر بعضهم إلى بعض، فتناظروا هل يراكم من أحد إن تكلمتم أو تناجيتم بمعايب القوم يخبرهم به، ثم قاموا فانصرفوا من عند رسول الله (ص) ولم يستمعوا قراءة السورة التي فيها معايبهم. ثم ابتدأ جل ثناؤه قوله: صرف الله قلوبهم فقال: صرف الله عن الخير والتوفيق والايمان بالله