مجاب الدعوة، فاخرج وادع الله عليهم فقال: ويلكم نبي الله معه الملائكة والمؤمنون، كيف أذهب أدعو عليهم وأنا أعلم من الله ما أعلم؟ قالوا: ما لنا من منزل. فلم يزالوا به يرفعونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن. فركب حمارة له متوجها إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل، وهو جبل حسان فلما سار عليها غير كثير ربضت به، فنزل عنها، فضربها، حتى إذا أذلقها قامت فركبها فلم تسر به كثيرا حتى ربضت به. ففعل بها مثل ذلك، فقامت فركبها فلم تسر به كثيرا حتى ربضت به. فضربها حتى إذا أذلقها أذن الله لها، فكلمته حجة عليه، فقالت: ويحك يا بلعم أين تذهب؟ أما ترى الملائكة تردني عن وجهي هذا؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم فلم ينزع عنها فضربها فخلى الله سبيلها حين فعل بها ذلك. قال: فانطلقت به حتى إذا أشرفت على رأس جبل حسان على عسكر موسى وبني إسرائيل جعل يدعو عليهم ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف به لسانه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل. قال: فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع؟ إنما تدعو لهم وتدعو علينا قال: فهذا ما لا أملك، هذا شئ قد غلب الله عليه. قال: واندلع لسانه فوقع على صدره، فقال لهم: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والحيلة، فسأمكر لكم وأحتال، حملوا النساء وأعطوهن السلع، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فإنهم إن زني منهم واحد كفيتموهم ففعلوا فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كستى بنت صور رأس أمته برجل من عظماء بني إسرائيل، وهو زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فقام إليها فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها، ثم أقبل بها حتى وقف بها على موسى عليه السلام فقال: إني أظنك ستقول هذه حرام عليك؟ فقال: أجل هي حرام عليك لا تقربها قال: فوالله لا أطيعك في هذا، فدخل بها قبته فوقع عليها. وأرسل الله الطاعون في بني إسرائيل، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى، وكان رجلا قد أعطي بسطة في الخلق وقوة في البطش، وكان غائبا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع. فجاء والطاعون يجوس في بني إسرائيل، فأخبر الخبر، فأخذ حربته، وكانت من حديد كلها، ثم دخل عليه القبة وهما متضاجعان، فانتظمهما بحربته، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء، والحربة قد أخذها بذراعه، واعتمد بمرفقه على خاصرته، وأسند الحربة إلى لحييه، وكان بكر العيزار، وجعل يقول: اللهم هكذا نفعل
(١٦٨)