ثم أشارت إلى جانب آخر من هذه القصة، فقالت: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ومن هنا يتضح مقام آدم العظيم، آدم الذي سجدت له الملائكة، وأبدت هذه المخلوقات العظيمة احترامها إياه. كما أن عداوة إبليس تجلت له ضمنا من أول الأمر إذ لم يخضع لآدم ولم يعظمه.
لا شك أن السجدة لا تعني السجدة الخاصة بعبادة الله، ولا أحد أو موجود يستحق أن يكون معبودا من دون الله سبحانه، وبناء على هذا فإن هذه السجدة كانت لله، غاية ما هناك أنها كانت من أجل خلق هذا الموجود العظيم. أو أن السجدة هنا تعني الخضوع والتواضع.
على كل حال، فإن الله سبحانه تعالى أنذر آدم بقوله فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى.
من الواضح أن الجنة هنا لا يراد منها جنة الخلود في العالم الآخر، والتي هي نقطة تكامل لا يمكن الخروج منها أو التراجع عن نعيمها، بل كانت بستانا فيه كل شئ مما في بساتين هذه الدنيا، ولم يكن فيها نصب ولا غصة بلطف الله، ولذلك فإن الله سبحانه قد أنذر آدم بأنك إن خرجت من هذا النعيم فإنك ستشقى. وكلمة " تشقى " من مادة الشقاء، وأحد معانيها الألم والمشقة.
سؤال: لماذا خاطب الله الاثنين معا - أي آدم وحواء - في بداية الأمر فقال:
فلا يخرجنكما إلا أنه ذكر نتيجة الخروج بصيغة المفرد في شأن آدم فقط فقال:
فتشقى؟
والجواب هو: إن هذا الاختلاف في التعبير قد يكون إشارة إلى أن الآلام والأتعاب كانت تصيب آدم في الدرجة الأولى، فإنه كان مأمورا بتحمل مسؤوليات زوجته أيضا، وهكذا كانت مسؤولية الرجال من بداية الأمر. أو أن العهد لما كان من البداية على عاتق آدم، فإن النهاية أيضا ترتبط به.
ثم يبين الله لآدم راحة الجنة وهدوءها، وألم ومشقة الخروج منها، فيقول: