3 3 - فلسفة الحج وأسراره العميقة!
إن لشعائر الحج - كما هو الحال بالنسبة للعبادات الأخرى - بركات كثيرة جدا في نفسية الفرد والمجتمع الإسلامي. ويمكنها - إن أجريت وفق أسلوب صحيح - أن تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدلا جديدا كل عام.
وتمتاز هذه المناسك بأربعة أبعاد مهمة:
1 - البعد الأخلاقي للحج: أهم جانب في فلسفة الحج التغير الأخلاقي نحو الأحسن الذي يحصل عند الناس، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تام عن الأمور المادية والامتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة، ومع تحريم الملذات، وبناء الذات الذي يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادة، ويدخل إلى عالم النور والصفاء والتسامي الروحي. وترى الإنسان قد ارتاح فجأة من عب ء الامتيازات الموهومة، والدرجات والرتب والنياشين.
ثم تلي عملية الإحرام مراسم الحج الأخرى تباعا، وفيها تتوطد علاقة الإنسان الروحية مع خالقه - لحظة بعد أخرى - وتتوثق. فينقطع عن ماضيه الأسود المملوء آثاما وذنوبا، ويتصل بمستقبل واضح كله نور وصفاء. خاصة أن مراسم الحج تثير في الإنسان اهتماما كبيرا - في كل خطوة يخطوها - بإبراهيم (عليه السلام) محطم الأصنام، وإسماعيل (عليه السلام) ذبيح الله. وامه هاجر (عليها السلام). ويتجلى للحجاج جهادهم وتضحياتهم، إضافة إلى كون أرض مكة عامة، والمسجد الحرام وبيت الكعبة ومحل الطواف حولها خاصة، تذكر الحاج بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقادة الإسلام العظام وجهاد المسلمين في صدر الإسلام، فيتعمق أثر هذه الثورة الأخلاقية بدرجة يشاهد فيها الحاج في كل زاوية من زوايا المسجد الحرام وأرض مكة المقدسة وجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلي (عليه السلام)، وسائر قادة المسلمين، ويسمع قعقعة سيوفهم وصهيل خيولهم.
أجل، إن هذه الأمور كلها تتحد وتتضامن لتمهد لثورة أخلاقية في القلوب