يسأل من الأصنام المحطمة الأيدي والأرجل عمن فعل بها ذلك، لا من الصنم الكبير، لأن ضمير (هم)، وكذلك ضمائر " إن كانوا ينطقون " كلها بصيغة الجمع، وهذا أنسب مع التفسير الأول (1).
لقد هزت كلمات إبراهيم الوثنيين وأيقظت ضمائرهم النائمة الغافلة، وأزاح الرماد عن شعلة النار فأضاءها، وأنار فطرتهم التوحيدية من خلف حجب التعصب والجهل.
في لحظة سريعة استيقظوا من هذا النوم العميق ورجعوا إلى فطرتهم ووجدانهم، كما يقول القرآن: فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون (2) فقد ظلمتم أنفسكم ومجتمعكم الذي تنتمون إليه، وكذلك ساحة الله واهب النعم المقدسة.
والطريف في الأمر أننا قرأنا في الآيات السابقة أنهم اتهموا إبراهيم بكونه ظالما، وهنا قبلوا واعترفوا في أنفسهم بأن الظالم الأصلي والحقيقي هو أنفسهم.
وفي الواقع فإن كل مراد إبراهيم من تحطيم الأصنام تحطيم فكر الوثنية وروح الصنمية، لا تحطيم الأصنام ذاتها، إذ لا جدوى من تحطيمها إذا صنع الوثنيون العنودون أصناما أكبر منها وجعلوها مكانها، وتوجد أمثلة كثيرة لهذه المسألة في تأريخ الأقوام الجاهلين المتعصبين.
إلى الآن استطاع إبراهيم أن يجتاز بنجاح مرحلة حساسة جدا من طريق تبليغه الرسالة، وهي إيقاظ الضمائر عن طريق إيجاد موجة نفسية هائجة.
ولكن للأسف، فإن صدأ الجهل والتعصب والتقليد الأعمى كان أكبر من أن يصقل ويمحى تماما بنداء بطل التوحيد.