ومن جهة أخرى، فإن إبراهيم كان قد أدى رسالته في الواقع - في تلك البلاد، ووجه ضربات ماحقة إلى هيكل وبنيان الشرك، وبذر بذور الإيمان والوعي في تلك البلاد، وبقيت المسألة مسألة وقت لتنمو هذه البذور وتبدي ثمارها، وتقلع جذور الأصنام وعبادتها، وتسحب البساط من تحتها.
فلابد من الهجرة إلى موطن آخر لإيجاد أرضية لرسالته هناك، ولذلك صمم على الهجرة إلى الشام بصحبة لوط - وكان ابن أخ إبراهيم - وزوجته سارة، وربما كان معهم جمع قليل من المؤمنين، كما يقول القرآن الكريم: ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين.
وبالرغم من أن اسم هذه الأرض لم يرد صريحا في القرآن، إلا أنه بملاحظة الآية الأولى من سورة الإسراء: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله يتضح أن هذه الأرض هي أرض الشام ذاتها، التي كانت من الناحية الظاهرية أرضا غنية مباركة خضراء، ومن الجهة المعنوية كانت معهدا لرعاية الأنبياء.
وقد وردت بحوث مختلفة في التفاسير والروايات في أن إبراهيم (عليه السلام) هاجر تلقائيا، أم أبعدته سلطات نمرود، أم أن الاثنين اشتركا، والجمع بينها جميعا هو أن نمرود ومن حوله كانوا يرون في إبراهيم خطرا كبيرا عليهم، فأجبروه على الخروج من تلك البلاد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن إبراهيم كان يرى أن رسالته ومهمته في تلك الأرض قد انتهت، وكان يبحث عن منطقة أخرى للعمل على توسيع دعوة التوحيد فيها، خاصة وأن البقاء في بابل قد يشكل خطرا على حياته فتبقى دعوته العالمية ناقصة.
وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن نمرود " أمر أن ينفوا إبراهيم من بلاده، وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله، فحاجهم إبراهيم عند ذلك فقال: إن