وعلى كل حال فإن هذه كانت مجرد اعتذارات وتعللات، لأن الحرب كانت حتمية الوقوع، ولأن المسلمين انتصروا في بداية المعركة، وأما ما لحق بهم من الهزيمة والإنكسار فلم يكن إلا بسبب أخطاء ومخالفات ارتكبوها هم أنفسهم بحيث لولاها لما وقعت بهم هزيمة، ولذا يقول الله سبحانه: هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان (أي أنهم يكذبون)، هذا مضافا إلى أنه يستفاد من هذه الجملة (أي أقرب) أن للإيمان والكفر درجات ترتبط باعتقاد الإنسان وأسلوب عمله وسلوكه.
ثم علل سبحانه ما ذكره عنهم بقوله: يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم أي أنهم يظهرون خلاف ما يضمرون، ويبدون من القول خلاف ما يكتمون من الاعتقاد والنية، فإنهم لإصرارهم على اقتراحهم بالقتال داخل أسوار المدينة، أو رهبة من ضربات العدو، أو لعدم حبهم للإسلام أحجموا عن الإسهام في تلك المعركة، وامتنعوا عن المضي إلى أحد في صحبة المسلمين، والله أعلم بما يكتمون فإن الله يعلم جيدا ما يخفونه ويضمرونه من النوايا، وسيكشف عن نواياهم للمسلمين في هذه الدنيا، كما سيعاقبهم ويحاسبهم على مواقفهم ونواياهم الشريرة في الآخرة.
* * *