وأساسا أن هذا العالم عالم مقنن يجري وفق قانون الأسباب والمسببات، وهذه حقيقة ثابتة لا تتغير.
وعلى هذا الأساس إذا وهنت جماعة في الحرب، وتعلقت بالدنيا وحطامها، والثروة وجواذبها، وتجاهلت أوامر قائدها المحنك الرؤوف كانت محكومة بالهزيمة والفشل، وهذا هو المقصود من إذن الله، فإذن الله ومشيئته هي تلك القوانين التي أرساها في عالم الكون ودنيا البشر.
ثم يقول سبحانه في المقطع التالي من الآية: وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا.
إنه إشارة إلى أثر آخر من آثار هذه الحرب وهو تمييز المؤمنين عن المنافقين، وفرز أقوياء الإيمان عن ضعفاء الإيمان.
وعلى العموم فقد تميز المسلمون - في معركة أحد - في طوائف ثلاث:
الطائفة الأولى: وهم قلة، قد ثبتوا أمام العدو في تلك الموقعة حتى آخر لحظه، حتى قضى بعض وجرح بعض وتحمل أشد الآلام.
الطائفة الثانية: هم الذين زلزلوا، ووقعوا فريسة الاضطراب ولم يمكنهم الثبات حتى آخر لحظة، ففروا من الميدان.
الطائفة الثالثة: وهم جماعة المنافقين الذين رجعوا من منتصف الطريق وأحجموا عن المشاركة والإسهام في القتال بحجج وأعذار واهية، وعادوا إلى المدينة، وهم عبد الله بن أبي سلول، وثلائمائة شخص من أعوانه وأنصاره وجماعته.
فلو لم تقع حادثة أحد لما تميزت هذه الصفوف مطلقا، ولما اتضح الأمر بمثل هذا الاتضاح أبدا، ولما تبين كل شخص بقسماته الحقيقية، وملامحه الواقعية وصفاته الخاصة به، وبالتالي كان يمكن أن يتصور الجميع - في مقام الادعاء - أنهم