ولا يقلل منها، لأن تأثير هذه العوامل كافة لا يكون إلا بإذن الله وأمره، وهذا أيضا دليل على قيوميته ومالكيته.
بيد أن بعضهم يظن أن الشفاعة في المفاهيم الدينية تشبه التوصيات والمحسوبيات والمنسوبيات، وأن مفهومها العام هو السماح للإنسان أن يرتكب ما يشاء من المعاصي، ثم يتوسل بالشفاعة لغفران ذنوبه كلها بيسر وسهولة!!
ولكن الأمر ليس كذلك، فلا المعترضون أدركوا شيئا من منطق الدين في موضوع الشفاعة، ولا العاصون المتجرئون على حدود الله فهموا ذلك. فالشفاعة التي يقوم بها بعض عباد الله المقربين يمكن اعتبارها - كما قلنا - شفاعة تكوينية تتحقق بوساطة عوامل طبيعية، كما تتحقق في بذرة النبات. وكما أن البذرة لا تنمو إن لم تكن فيها عوامل الحياة حتى لو سطعت عليها الشمس وهبت عليها الرياح وهطل عليها المطر الهتون سنوات طويلة، كذلك شفاعة أولياء الله لغير المؤهلين، لن يكون لها أي أثر، أو قل إنهم لا يمكن أن يشفعوا لأمثال هؤلاء.
الشفاعة تستلزم نوعا من العلاقة المعنوية بين الشفيع والمشفوع له. لذلك فإن على من يرجو الشفاعة أن يقيم في هذه الدنيا علائق روحية مع من يتوقع شفاعته.
وهذه العلائق ستكون - في الواقع - وسيلة من وسائل تربية المشفوع له بحيث إنها تقربه من مدرسة أفكار الشفيع وأعماله، وهذا ما سيوصله إلى أن يكون مؤهلا لنيل تلك الشفاعة.
وبناء على ذلك، فالشفاعة عامل تربوي، وليست نوعا من المحسوبية والمنسوبية، ولا ذريعة للتنصل عن المسؤولية.
ومن هذا يتضح أن الشفاعة لا تغير إرادة الله بشأن العصاة المذنبين، بل أن العاصي والمذنب - بارتباطه الروحي بشفيعه - يحظى بتربية تؤهله لنيل عفو