ناسخة ولا منسوخة، لأن منع المسلمين من قتال الكفار كان في زمن لم يكن للمسلمين القوة الكافية، ومع تغير الظروف صدر الأمر لهم بالدفاع عن أنفسهم، وكذلك قتال المشركين فهو في الواقع استثناء من الآية، فعلى هذا يكون تغيير الحكم بسبب تغيير الظروف لا من قبيل النسخ ولا الاستثناء، ولكن القرائن تدل على أن النسخ في الروايات وفي كلمات القدماء له مفهوم غير مفهومه في العصر الحاضر، أي له معنى واسع يشمل هذه الموارد أيضا.
* * * في الآية التالية التي تعتبر مكملة للأمر الصادر في الآية السابقة تتحدث هذه الآية بصراحة أكثر وتقول: إن هؤلاء المشركين هم الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وصبوا عليهم ألوان الأذى والعذاب، فيجب على المسلمين أن يقتلوهم أينما وجدوهم، وأن هذا الحكم هو بمثابة دفاع عادل ومقابلة بالمثل، لأنهم قاتلوكم وأخرجوكم من مكة واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم. ثم يضيف الله تعالى والفتنة أشد من القتل.
أما المراد من (الفتنة) ما هو؟ فهناك أبحاث عديدة بين المفسرين وأرباب اللغة، فهذه المفردة في الأصل من (فتن) على وزن متن، ويقول الراغب في مفرداته أنها تعني وضع الذهب في النار للكشف عن درجة جودته وأصالته، وقال البعض أن المعنى هو وضع الذهب في النار لتطهيره من الشوائب (1)، وقد وردت مفردة الفتنة ومشتقاتها في القرآن الكريم عشرات المرات وبمعان مختلفة.
فتارة جاءت بمعنى الامتحان مثل أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2).