ومع الالتفات إلى أن المجتمع الجاهلي كان غارقا في الخمر والقمار، ولذلك جاء الحكم بتحريمهما بشكل تدريجي وعلى مراحل، كما نرى من اللين والمداراة والأسلوب الهادئ في لحن الآية إنما هو بسبب ما ذكرناه.
في هذه الآية وردت مقايسة بين منافع الخمر والميسر وأضرارهما وأثبتت أن ضررهما وإثمهما أكثر من المنافع، ولا شك أن هناك منافع مادية للخمر والقمار أحيانا يحصل عليها الفرد عن طريق بيع الخمر أو مزاولة القمار، أي تلك المنفعة الخيالية التي تحصل من السكر وتخدير العقل والغفلة عن الهموم والغموم والأحزان، الإ أن هذه المنافع ضئيلة جدا بالنسبة إلى الأضرار الأخلاقية والاجتماعية والصحية الكثيرة المترتبة على هذين الفعلين.
وبناء على ذلك، فكل إنسان عاقل لا يقدم على الإضرار بنفسه كثيرا من أجل نفع ضئيل.
(الإثم) كما ورد في معجم مقاييس اللغة أنه في الأصل بمعنى البطئ والتأخر، وبما أن الذنوب تؤخر الإنسان عن نيل الدرجات والخيرات، ولذلك أطلقت هذه الكلمة عليها، بل أنه ورد في بعض الآيات القرآنية هذا المعنى بالذات من كلمة الإثم مثل وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم (1) أي أن الغرور والمقامات الموهومة تؤخره عن الوصول إلى التقوى.
وعلى كل حال، فالمراد من الإثم هو كل عمل وشئ يؤثر تأثيرا سلبيا في روح وعقل الإنسان ويعيقه عن الوصول إلى الكمالات والخيرات، فعلى هذا يكون وجود (الإثم الكبير) في الخمر والقمار دليل على التأثير السلبي لهما في وصول الإنسان إلى التقوى والكمالات المعنوية والإنسانية التي سوف يأتي شرحها.
السؤال الثالث المذكور في الآية محل البحث هو السؤال عن الإنفاق فتقول الآية ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو.