ورد في تفسير " الدر المنثور " في شأن نزول هذه العبارة من الآية عن ابن عباس أن المسلمين سألوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عند نزول آيات الحث على الإنفاق: ماذا ينفقون؟ أينفقون كل أموالهم أم بعضها؟ فنزلت الآية لتأمر برعاية (العفو) (1).
ولكن ما المراد من " العفو " في الآية؟
(العفو) في الأصل - كما يقول الراغب في المفردات - بمعنى القصد إلى أخذ شئ، أو بمعنى الشئ الذي يؤخذ بسهولة، وبما أن هذا المعنى واسع جدا ويطلق على مصاديق مختلفة منها: المغفرة والصفح وإزالة الأثر. الحد الوسط بين شيئين.
المقدار الإضافي لشئ. وأفضل جزء من الثروة. فالظاهر أن المعنى الأول والثاني لا يتناسب مع مفهوم الآية، والمراد هو أحد المعاني الثلاثة المتأخرة، يعني رعاية الحد الوسط في الإنفاق، أو إنفاق المقدار الزائد عن الحاجة، أو إنفاق القسم الجيد للأموال وعدم بذل الحصة الرخيصة والعديمة النفع من المال.
وهذا المعنى وارد أيضا في الروايات الإسلامية في تفسير هذه الآية، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: العفو الوسط (2) (أي أن المراد من العفو في الآية أعلاه هو الحد الوسط).
وورد في تفسير علي بن إبراهيم (لا إقتار ولا إسراف) (3).
وفي مجمع البيان عن الإمام الباقر (عليه السلام) (العفو ما فضل عن قوت السنة) (4).
ويحتمل أيضا أن يكون العفو في الآية (وإن لم أجده في كلمات المفسرين) هو المعنى الأول، أي الصفح عن أخطاء الآخرين، وبذلك يكون معنى الآية الكريمة: أنفقوا الصفح والمغفرة فهو أفضل الإنفاق.
ولا يبعد هذا الاحتمال لو أخذنا بنظر الاعتبار أوضاع شبه جزيرة العربية