عباس أن الله تعالى لما ضرب هذين المثلين للمنافقين وهو قوله (كمثل الذي استوقد نارا) وقوله (أو كصيب من السماء) قال المنافقون الله أجل من (أن يضرب مثلا) إلى آخر الآية وقال الربيع بن أنس هذا مثل ضربه الله للدنيا لان البعوضة تحيا ما جاعت فإذا سمنت ماتت فشبه الله تعالى هؤلاء بأنهم إذا امتلؤوا أخذهم الله كما قال تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ إلى آخر الآية) (1) - إلى أن قال - (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) (2) وقال قتادة معناه أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها أي لا يستحيي من الحق أن يذكر منه شيئا ما قل أو كثر إن الله تعالى حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة ماذا أراد الله من ذكر هذا؟ فأنزل الله تعالى (ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها: الآية) وكل هذه الوجوه حسنة وأحسنها قول ابن عباس لأنه يليق بما تقدم وبعده ما قال قتادة وليس لاحد ان يقول: هذا المثل لا يليق بما تقدم من حيث لم يتقدم للبعوضة ذكر وقد جرى ذكر الذباب والعنكبوت في موضع آخر في تشبيه آلهتهم بها وأن يكون المراد بذلك أولى وذلك أن قوله:
" ان الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " إنما هو خبر منه تعالى انه لا يستحيي تعالى أن يضرب مثلا في الحق من الأمثال: صغيرها وكبيرها لان صغير الأشياء عنده وكبيرها بمنزلة واحدة من حيث لا يتسهل الصغير ولا يصعب الكبير وإن في الصغير من الاحكام والاتقان ما في الكبير فلما تساوى الكل في قدرته جاز أن يضرب المثل بما شاء من ذلك فيقر بذلك المؤمنون ويسلمون - وان ضل به الفاسقون بسوء اختيارهم - وهذا المعنى مروي عن مجاهد وروي عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: إنما ضرب الله بالبعوضة لان البعوضة على صغر خلق فيها جميع ما في الفيل على كبره وزيادة عضوين آخرين فأراد الله ان ينبه بذلك المؤمنين على لطف خلقه وعجيب عظم صنعه