ومرجعك إلي يريد اني مجازيك ومقتدر عليك وسمى الحشر رجوعا إلى الله لأنه رجوع إلى حيث لا يتولى الحكم فيه غير الله فيجازيكم على اعمالكم كما يقول القائل: امر القوم إلى الأمير أو القاضي ولا يراد به الرجوع من مكان إلى مكان وإنما يراد به ان النظر صار له خاصة دون غيره فان قال قائل: لم يذكر الله احياء في القبر فكيف تثبتون عذاب القبر قلنا: قد بينا أن قوله: " ثم يحييكم " المراد به احياؤهم في القبر للمسألة وقوله: " ثم إليه ترجعون " معناه احياؤهم يوم القيامة وحذف ثم يميتكم بعد ذلك لدلالة الكلام عليه على أن قوله: " ثم يحييكم " لو كان المراد به يوم القيامة، لم يمنع ذلك من احياء في القبر، وإماتة بعده كما قال تعالى:
" ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (1) ولم يذكر حياة الذين أحيوا في الدنيا بعد ان ماتوا وقال في قوم موسى " فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثنا من بعد موتكم لعلكم تشكرون " (2) ولم يذكر حياتهم في الدنيا ولم يدل ذلك على أنهم لم يحييوا في الدنيا بعد الموت وكذلك أيضا لا تدل هذه الآية على أن المكلفين لا يحيون في قبورهم للثواب والعقاب على ما أخبر به الرسول (عليه السلام) وقول من قال: لم يكونوا شيئا ذهب إلى قول العرب للشئ الدارس الخامل: إنه ميت يربد خموله ودرسه وفي ضد ذلك يقال: هذا أمر حي يراد به، كأنه متعالم في الناس ومن أراد الإماتة التي هي خروج الروح من الجسد، فإنه أراد بقوله: " وكنتم أمواتا " انه خطاب لأهل القبور بعد احيائهم فيها وهذا بعيد لان التوبيخ هنالك إنما هو توبيخ على ما سلف، وفرط من اجرامهم لا استعتاب واسترداع وقوله: " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا " توبيخ مستعتب، وتأنيب مسترجع من خلقه من المعاصي إلى الطاعة، ومن الضلالة إلى الإنابة ولا إنابة في القبر ولا توبة فيها بعد الوفاة وأحسن الوجوه مما قدمنا ما ذكر ابن عباس وبعده قول قتادة