وإنما قلنا أنه لا نعمة له على الكافر، لأنه خلق على مذاهبهم فيه الكفر الذي يستحق به الخلود في النار والعقاب الدائم، فهو بأن يكون مسيئا " إليه أولى من أن يكون منعما " عليه.
وليس لهم أن يقولوا أن له عليه نعمة دنياوية، كخلق الحياة فيه والشهوات المؤدية إلى ضروب اللذات والمنافع العاجلة، وذلك أن خلق الحياة والشهوة إذا كان الغرض الاستدراج إلى الكفر لم يكن نعمة، وإنما يكون نعمة إذا كان الغرض فيه النفع، ويجري مجرى من سمن عنزة وغذاه بضروب الأطعمة الملذة ليأكله في أنه لا يكون منعما " عليه بذلك وأن النفع به في العاجل.
وأيضا " فلو سلم أن ذلك نفع لما عادل ولا قارب الاستقراء والعقاب والخلود في النيران المضرمة، فلا يستحق عليه شئ من الشكر والحال هذه، ويكون وجوده كعدمه، ويجري مجرى من نقص ثوابا " عن ثواب غيره وابتسم في وجهه، ثم قرن ذلك بقتل أولاده وأحبائه وأخذ أمواله وانتهاك حرمه، في أنه لا يستحق منه شكرا ".
وإذا تأملنا القرآن وجدنا أكثره دالا على أن العباد يفعلون ويعملون، وأنهم إنما يجازون بثواب أو عقاب على أفعالهم، لا على أفعال غيرهم فيهم، فيقول تعالى ﴿جزاءا " بما كانوا يعملون﴾ (١) وفي مواضع أخر ﴿يصنعون﴾ (٢) و ﴿يفعلون﴾ (٣) و ﴿يكسبون﴾ (4)، فلو كانت الأفعال كلها له بطلت هذه الإضافات إلينا وكانت كذبا ".