والحسد فنرى أن قوله في الخمر إنها داء أي لما فيها من الإثم فنقلها صلى الله عليه وسلم عن أمر الدنيا إلى أمر الآخرة وحولها عن باب الطبيعة إلى باب الشريعة، ومعلوم أنها من جهة الطب دواء في بعض الأسقام وفيها مصحة البدن وهذا كقوله حين سئل عن الرقوب فقال هو الذي لم يمت له ولد، ومعلوم أن الرقوب في كلام العرب هو الذي لا يعيش له ولد، وكقوله ما تعدون الصرعة فيكم قالوا هو الذي يغلب الرجال فقال بل هو الذي يملك نفسه عند الغضب، وكقوله من تعدون المفلس فيكم فقالوا هو الذي لا مال له فقال بل المفلس من يأتي يوم القيامة وقد ظلم هذا وشتم وضرب هذا فيؤخذ من حسناته لهم ويؤخذ من سيئاتهم فيلقى عليه فيطرح في النار. وكل هذا إنما هو على معنى ضرب المثل وتحويله عن أمر الدنيا إلى معنى أمر الآخرة، فكذلك سميت الخمر داء إنما هو في حق الدين وحرمة الشريعة لما يلحق شاربها من الإثم وإن لم يكن داء في البدن ولا سقما في الجسد.
وفي الحديث بيان أنه لا يجوز التداوي بالخمر وهو قول أكثر الفقهاء. وقد أباح التداوي بها عند الضرورة بعضهم واحتج في ذلك بإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم للعرينة التداوي بأبوال الإبل وهي محرمة إلا أنها لما كانت مما يستشفى بها في بعض العلل رخص لهم في تناولها.
قال الخطابي: قد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأمرين اللذين جمعهما هذا القائل فنص على أحدهما بالحظر وعلى الآخر بالإباحة وهو بول الإبل والجمع بين ما فرقه النص غير جائز وأيضا فإن الناس كانوا يشربون الخمر قبل تحريمها ويشفون بها ويتبعون لذاتها، فلما حرمت عليهم صعب عليهم تركها والنزوع عنها، فغلظ الأمر فيها بإيجاب العقوبة على متناولها ليرتدعوا وليكفوا عن شربها وحسم الباب في تحريمها على الوجوه كلها شربا وتداويا لئلا يستبيحوها بعلة التساقم والتمارض، وهذا المعنى مأمون في أبوال الإبل لانحسام الدواعي ولما على الطباع من المؤونة في تناولها ولما في النفوس من استقذارها والنكرة لها، فقياس أحدهما على الآخر لا يصح ولا يستقيم والله أعلم انتهى. قال المنذري: والحديث أخرجه ابن ماجة عن طارق بن سويد من غير شك ولم يذكر أباه قال عن علقمة بن وائل الحضرمي عن طارق بن سويد الحضرمي وأخرجه مسلم والترمذي من حديث وائل بن حجر أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم.