الله تعالى بعد ذلك بذكر النعمة والميثاق والعهد الذي عاهدتم بقوله " واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به " الآية وأمر المؤمنين بكونهم قوامين لله شهداء بالعدل فأوجب عليهم ذلك، ونهاهم عن أن يحملهم البغض على العدول والخروج عن الشرع بقوله " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " قال البيضاوي في " اعدلوا هو أقرب للتقوى " إذا كان هذا مع الكفار فما ظنك بالعدل مع المؤمنين؟ ثم أمر بالتقوى ووعدهم بالامتثال وأوعدهم على تركه بقوله " واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ".
ثم اعلم أن في حكاية ابني آدم نبينا وآله وعليه السلام إشارة إلى أن التقوى شرط لقبول العمل: " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " صفة مصدر محذوف أي أتل واقرأ تلاوة متلبسة بالحق أو حال من ضمير " أتل " أو من نبأ " إذ قربا قربانا " ظرف نبأ، أو حال منه، والقربان اسم لم يتقرب به إلى الله من ذبيحة وغيرها كما أن الحلوان اسم لما يحلى أي يعطى وهو في الأصل مصدر ولهذا لم يثن مع أن المراد منه اثنان، وقيل تقديره إذ قرب كل واحد منهما قربانا فلا يحتاج إلى التثنية " فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال " قابيل " لأقتلنك " وعده بالقتل بعد عدم قبول قربانه وقبول قربان أخيه، لفرط الحسد على ذلك ولبقاء ما يريده له " قال " أخوه هابيل " إنما يتقبل الله من المتقين " أي إنما أصابك ما أصابك من عدم القبول عند الله من قبل نفسك، لا من قبلي، فلم تقتلني؟ فاقتل نفسك لا نفسي، وفيه إشارة إلى أن الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره فيكون الذنب له لا للمحسود، فلا بد أن يجتهد في تحصيل ما صار به المحسود محسودا و محفوظا لا في إزالة حظ المحسود فإن ذلك يضره ولا ينفع الحاسد، بل يضره و هو ظاهر. وفيه دلالة على أن القبول يشترط فيه التقوى كما قلناه.
قال البيضاوي: وفيه إشارة إلى أن الطاعة لا تقبل إلا من مؤمن متق وفيه إشكال ولهذا ما شرطه الفقهاء فإن الفسق لا يمنع من صحة عبادة إذا فعلت على