أستبد بما كان الرأي فيه عندي، وهذه حالي، ومالي هي لك وبين يديك لا تزوى عنك ولا ندخر دونك، وإنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا ندفع مالك بن فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، وحكمك نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك صلى الله عليه وآله؟!
فقال عليها السلام:
سبحان الله! ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله عن كتاب الله صادفا ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور؟ وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكما عدلا وناطقا فصلا يقول: " يرثني ويرث من آل يعقوب " ويقول: " وورث سليمان داود " فبين عز وجل فيما وزع من الأقساط وشرع من الفرائض والميراث وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا! " بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ".
فقال أبو بكر:
صدق الله ورسوله وصدقت ابنته! أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك ولا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.
فالتفتت فاطمة عليها السلام إلى الناس، وقالت:
معاشر الناس! المسرعة إلى قيل الباطل، والمغضية على الفعل القبيح الخاسر " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "؟ كلا! بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأولتم! وساء ما به أشرتم!