وا عجبي لمعاوية يكف عني لسانه ويشير إلى الخروج ببنانه، أما والله ليعارضنه عمرو بكلام مؤيد سديد أو جمع من نوافذ الحديد أو ما أنا بابنة الشريد! فخرجت، وتلقاها الأسود الهلالي - وكان رجلا أسود أصلع أسلع أصعل - فسمعها وهي تقول ما تقول، فقال: لمن تعني هذه؟ الأمير المؤمنين تعني؟ عليها لعنة الله! فالتفتت إليه، فلما رأته قالت: خزيا لك وجدعا!
أتلعنني؟ واللعنة بين جنبيك وما بين قرنيك إلى قدميك، إخسأ يا هامة الصعل ووجه الجعل، فاذلل بك نصيرا واقلل بك ظهيرا، فبهت الأسلع ينظر إليها، ثم سأل عنها فأخبر، فأقبل إليها معتذرا خوفا من لسانها.
فقالت: قد قبلت عذرك، وإن تعد أعد، ثم لا أستقيل ولا أراقب فيك.
فبلغ ذلك معاوية، فقال: زعمت يا أسلع أنك لا تواقف من يغلبك، أما علمت أن حرارة المبتول ليست بمخالسة نوافذ الكلام عند مواقف الخصام؟
أفلا تركت كلامها قبل البصبصة منها والاعتذار إليها؟ قال: إي والله يا أمير المؤمنين؟ لم أكن أرى شيئا من النساء يبلغ من معاضيل الكلام ما بلغت هذه المرأة، حالستها، فإذا هي تحمل قلبا شديدا ولسانا حديدا وجوابا عتيدا، وهالتني رعبا وأوسعتني سبا.
ثم التفت معاوية إلى عبيد بن أوس، فقال: ابعث لها ما تقطع به عنا لسانها وتقضي به ما ذكرت من دينها، وتخف به إلى بلادها، وقال: اللهم اكفني شر لسانها، فلما أتاها الرسول بما أمر به معاوية، قالت: يا عجبي لمعاوية!
يقتل زوجي ويبعث إلي بالجوائز، فليت أبي كرب سد عني حره صله، خذ من الرضعة ما عليها، فأخذت ذلك وخرجت تريد الجزيرة فمرت بحمص، فقتلها الطاعون