فقال له مسلم: يا هاني أنشدك الله أن تقتل نفسك وأن تدخل البلاء في عشيرتك! فوالله إني لأنفس بك عن القتل، إن هذا ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه، فادفعه إليهم، فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان.
فقال هاني: والله إن علي في ذلك الخزي والعار أن أدفع جاري وضيفي وأنا حي صحيح أسمع وأرى، شديد الساعد كثير الأعوان، والله لو لم يكن لي إلا واحد ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه. فأخذ يناشده وهو يقول:
والله لا أدفعه إليه أبدا.
فسمع ابن زياد - لعنه الله - ذلك، فقال: أدنوه مني، فأدنوه منه، فقال:
والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك! فقال هاني: إذا والله تكثر البارقة حول دارك! فقال ابن زياد: والهفاه عليك! أبالبارقة تخوفني؟ وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه. ثم قال: أدنوه مني، فأدني منه، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسال الدماء على وجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته، حتى كسر القضيب، وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي، وجاذبه [الرجل] ومنعه.
فقال عبيد الله: أحروري سائر اليوم؟ قد حل دمك، جروه، فجروه وألقوه في بيت من بيوت الدار، وأغلقوا عليه بابه، فقال: اجعلوا عليه حرسا، ففعل ذلك به.
فقام إليه حسان بن أسماء، فقال: أرسل غدر سائر اليوم، أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت أنفه ووجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت أنك تقتله! فقال له عبيد الله: وإنك لهاهنا، فأمر به فلهز وتعتع واجلس ناحيته، فقال محمد بن الأشعث: قد رضينا بما رأى الأمير، لنا كان أم علينا، إنما الأمير مؤدب.