عبيد الله: أتتك بحائن رجلاه!
فلما دنا من ابن زياد - وعنده شريح القاضي - التفت نحوه، فقال:
أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد وقد كان أول ما قدم مكرما له ملطفا، فقال له هاني: وما ذاك أيها الأمير؟
قال: إيه! يا هاني بن عروة، ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح والرجال في الدور حولك! وظننت أن ذلك يخفى علي؟ قال: ما فعلت ذلك وما مسلم عندي، قال: بلى قد فعلت! فلما كثر بينهما وأبى هاني إلا مجاحدته ومناكرته، دعا ابن زياد معقلا - ذلك العين - فجاء حتى وقف بين يديه، وقال: أتعرف هذا؟ قال: نعم، وعلم هاني عند ذلك أنه كان عينا عليهم وأنه قد أتاه بأخبارهم، فأسقط في يده ساعة.
ثم راجعته نفسه، فقال: اسمع مني وصدق مقالتي، فوالله ما كذبت، والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشئ من أمره حتى جاءني يسألني النزول، فاستحييت من رده، وداخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته، وقد كان من أمره ما بلغك، فإن شئت أن أعطيك الآن موثقا مغلظا أن لا أبغيك سوءا ولا غائلة، ولآتينك حتى أضع يدي في يدك، وإن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك وأنطلق إليه، فأمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض، فأخرج من ذمامه وجواره.
فقال له ابن زياد: والله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به! قال: لا والله لا أجيئك به أبدا! أجيئك بضيفي تقتله؟ قال: والله لتأتيني به! قال: والله لا آتيك به! فلما كثر الكلام بينهما، قام مسلم بن عمرو الباهلي - وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره - فقال: أصلح الله الأمير! خلني وإياه حتى أكلمه، فقام فخلا به ناحية من ابن زياد، وهما منه بحيث يراهما، فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان.