بحضرة المتوكل، إذ دخل عليه رجل من أولاد محمد بن الحنفية حلو العينين حسن الثياب قد قرف عنده بشئ، فوقف بين يديه، والمتوكل مقبل على الفتح يحدثه.
فلما طال وقوف الفتى بين يديه وهو لا ينظر إليه، قال له: يا أمير المؤمنين، إن كنت أحضرتني لتأديبي فقد أسأت الأدب، وإن كنت قد أحضرتني ليعرف من بحضرتك من أوباش الناس استهانتك بأهلي فقد عرفوا.
فقال له المتوكل: والله يا حنفي، لولا ما يثنيني عليك من أوصال الرحم ويعطفني عليك من مواقع الحلم لانتزعت لسانك بيدي ولفرقت بين رأسك وجسدك، ولو كان بمكانك محمد أبوك! قال: ثم التفت إلى الفتح، فقال:
أما ترى ما نلقاه من آل أبي طالب؟ إما حسني يجذب إلى نفسه تاج عز نقله الله إلينا قبله، أو حسيني يسعى في نقض ما أنزل الله إلينا قبله، أو حنفي يدل بجهله أسيافنا على سفك دمه.
فقال له الفتى: وأي حلم تركته لك الخمور وإدمانها؟ أم العيدان وفتيانها؟
ومتى عطفك الرحم على أهلي وقد ابتززتهم فدكا إرثهم من رسول الله صلى الله عليه وآله فورثها أبو حرملة؟ وأما ذكرك محمدا أبي فقد طفقك تضع عن عز رفعه الله وروسوله، وتطاول شرفا تقصر عنه ولا تطوله، فأنت كما قال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا ثم ها أنت تشكو لي علجك هذا ما تلقاه من الحسني والحسيني والحنفي، فلبئس المولى ولبئس العشير!
ثم مد رجليه ثم قال: هاتان رجلاي لقيدك! وهذه عنقي لسيفك! فبؤ بإثمي وتحمل ظلمي، فليس هذا أول مكروه أوقعته أنت وسلفك بهم، يقول الله تعالى: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " فوالله ما أجبت رسول الله صلى الله عليه وآله عن مسألته، ولقد عطفت بالمودة على غير قرابته،