أدبرت، لك يدان: يد لا تبسطها إلى خير ويد لا تقبضها عن شر، ولسان غادر ذو وجهين: ووجهان: وجه موحش ووجه مؤنس، ولعمري! إن من باع دينه بدنيا غيره لحري أن يطول عليها ندمه، لك بيان وفيك خطل، ولك رأي وفيك نكد، ولك قدر وفيك حسد، وأصغر عيب فيك أعظم عيب في غيرك.
فأجابه عمرو بن العاص: والله! ما في قريش أثقل علي مسألة ولا أمر جوابا منك، ولو استطعت ألا أجيبك لفعلت، غير أني لم أبع ديني من معاوية ولكن بعت الله نفسي ولم أنس نصيبي من الدنيا. وأما ما أخذت من معاوية وأعطيته: فإنه لا تعلم العوان الخمرة. وأما ما أتى إلي معاوية في مصر: فإن ذلك لم يغيرني له. وأما خفة وطأتي عليكم بصفين: فلم استثقلتم حياتي واستبطأتم وفاتي؟ وأما الجبن: فقد علمت قريش أني أول من يبارز وأمر من ينازل. وأما طول لساني: فإني كما قال هشام بن الوليد لعثمان بن عفان رضي الله عنه:
لساني طويل فاحترس من شذاته * عليك وسيفي من لساني أطول وأما وجهاي ولساناي: فإني ألقى كل ذي قدر بقدره وأرمي كل نابح بحجره، فمن عرف قدره كفاني نفسه، ومن جهل قدره كفيته نفسه، ولعمري ما لأحد من قريش مثل قدرك ما خلا معاوية، فما ينفعني ذلك عندك. وأنشأ عمرو يقول:
بني هاشم ما لي أراكم كأنكم * بي اليوم جهال وليس بكم جهل؟
ألم تعلموا أني جسور على الوغى * سريع إلى الداعي إذا كثر القتل؟
وأول من يدعو نزال طبيعة * جبلت عليها والطباع هو الجبل وإني فصلت الأمر بعد اشتباهه * بدومة إذ أعيا على الحكم الفصل وإني لا أعيا بأمر أريده * وإني إذا عجت بكاركم فحل (1)