أخافه مروان والأسود بن أبي البختري فظهر قيس إلى علي عليه السلام فكتب معاوية إلى مروان والأسود يتغيظ عليهما ويقول: أمددتما عليا بقيس بن سعد ورأيه و مكايدته، فوالله لو أنكما أمددتماه بمأة ألف مقاتل ما كان ذلك بأغيظ إلي من إخراجكما قيس بن سعد إلى علي (تاريخ الطبري 6 ص 53) وعالج معاوية قلوب أصحابه وأمنهم من ناحية قيس بافتعال كتاب عليه وقرائته على أهل الشام كما يأتي تفصيله.
وكان قيس يرى نفسه في المكيدة والدهاء فوق الكل وأولى الجميع ويقول:
لولا أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: المكر والخديعة في النار. لكنت من أمكر هذه الأمة (1) ويقول: لولا الاسلام لمكرت مكرا لا تطيقه العرب (2) فشهرته بالدهاء مع تقيد المعروف بالدين، وكلاءته حمى الشريعة، والتزامه البالغ في إعمال الرأي بما يوافق رضى مولاه سبحانه، وكفه نفسه عما يخالف ربه، تثبت له الأولوية والتقدم والبروز بين دهاة العرب، ولا يعادله من الدهاة الخمسة الشهيرة أحد إلا عبد الله بن بديل وذلك لاشتراكهما في المبدء، والتزامهما بالدين الحنيف، والكف عن الهوى، والوقوف عند مضلات الفتن.
وكلامه لمالك الأشتر (مالك وما مالك؟) ينم عن غزارة عقله، وحسن تدبيره، واستقامة رأيه، وقوة إيمانه، وهو من غرر الكلم، ودرر الحكم، رواه شيخ الطايفة في أماليه ص 86 في حديث طويل فقال: قال الأشتر لعلي عليه السلام: دعني يا أمير المؤمنين؟ أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك. فقال له: كف عني. فانصرف الأشتر وهو مغضب، ثم إن قيس بن سعد لقي مالكا في نفر من المهاجرين والأنصار فقال: يا مالك؟ كلما ضاق صدرك بشئ أخرجته، وكلما استبطأت أمرا استعجلته، إن أدب الصبر: التسليم، وأدب العجلة: الأناة، وإن شر القول: ما ضاهى العيب، وشر الرأي: ما ضاهى التهمة، فإذا ابتليت فاسأل، وإذا أمرت فأطع، ولا تسأل قبل البلاء، ولا تكلف قبل أن ينزل الأمر، فإن في أنفسنا ما في نفسك، فلا تشق على صاحبك.