وقد انهالت الدنيا قضها بقضيضها على أضدادهم يوم ذلك من طغمة الأمويين ولو كان المتطلب يطلب شيئا من حطام الدنيا، أو حصولا على مرتبة، أو زلفة تربى به لطلبها من أولئك المتغلبين على عرش الخلافة الإسلامية، فرجل يلوي بوجهه عنهم إلى أناس مضطهدين مقهورين، ويقاسي من جراء ذلك الخوف والاختفاء تتقاذف به المفاوز والحزون، مفترعا ربوة طورا، ومسفا إلى الأحضة تارة، وورائه الطلب الحثيث، وبمطلع الأكمة النطح والسيف، ليس من الممكن أن يكون ما يتحراه إلا خاصة فيمن يتولاهم، لا توجد عند غيرهم، وهذا هو شأن الكميث مع أئمة الدين عليهم السلام فقد كان يعتقد فيهم أنهم وسائله إلى المولى سبحانه، وواسطة نجاحه في عقباه، وإن مؤدتهم أجر الرسالة الكبرى.
روى الشيخ الأكبر الصفار في " بصاير الدرجات " بإسناده عن جابر قال: دخلت على الباقر عليه السلام فشكوت إليه الحاجة فقال: ما عندنا درهم. فدخل الكميت فقال: جعلت فداك أنشدك؟ فقال: أنشد فأنشده قصيدة فقال: يا غلام؟ اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت. فقال: جعلت فداك أنشدك أخرى؟ فأنشده فقال:
يا غلام؟ اخرج بدرة فادفعها إليه. فقال: جعلت فداك أنشدك أخرى؟ فأنشده فقال:
يا غلام؟ اخرج بدرة فادفعها إليه. فقال: جعلت فداك والله ما أحبكم لعرض الدنيا وما أردت بذلك إلا صلة رسول الله وما أوجب الله علي من الحق. فدعا له الباقر عليه السلام فقال: يا غلام ردها إلى مكانها. فقلت: جعلت فداك قلت لي: ليس عندي درهم وأمرت الكميت بثلاثين ألفا (1) فقال: ادخل ذلك البيت. فدخلت فلم أجد شيئا، فقال:
ما سترنا عنكم أكثر مما أظهرنا. الحديث.
قال صاعد: دخلنا مع الكميت على فاطمة بنت الحسين عليه السلام فقالت: هذا شاعرنا أهل البيت وجاءت بقدح فيه سويق فحركته بيدها وسقت الكميت فشربه ثم أمرت له بثلاثين دينارا ومركب، فهملت عيناه وقال: لا والله لا أقبلها إني لم أحبكم للدنيا. " الأغاني " 15 ص 123.
وللكميت في رده الصلات الطايلة على سروات المجد من بني هاشم مكرمة