نور البراهين - السيد نعمة الله الجزائري - ج ١ - الصفحة ١٧٢
خالقين منهم عيسى بن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار، قلت:
إن عيسى خلق من الطين طيرا دليلا على نبوته، والسامري خلق عجلا جسدا لنقض نبوة موسى عليه السلام، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك؟ إن هذا لهو العجب، فقال: ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا 1) من الشجرة وهو شاء ذلك، ولو لم يشأ لم يأكلا ولو أكلا لغلبت
____________________
وقال حذيفة في هذه الآية: تصنعون ويصنع الله وهو خير الصانعين، وفي هذا دليل على أن اسم الخلق قد يطلق على فعل غير الله تعالى، إلا أن الحقيقة في الخلق لله سبحانه، فان المراد من الخلق ايجاد الشئ مقدرا تقديرا لا تفاوت فيه، وهذا إنما يكون من الله تعالى، ودليله قوله (ألا له الخلق والامر) (1).
أقول: على مقتضى ظاهر هذا الخبر أن الخالق هنا بمعنى الموجد، وسيأتي له في شرح الأسماء الحسنى معنى آخر، حاصله: أن الخلق بمعنى التقدير أول مراتب الايجاد، ثم الايجاد، ثم التصوير، وهو في صنع غيره تعالى يتولاه العدد الكثير كالبناء مثلا، فإن المهندس يتولى تصويره بصورة، ثم يدفع ما صور إلى البناء فيوجد في الخارج ما يوافق تلك الصورة، ثم يتولاه المصور فينقش فيه ما أراد من التصوير، أما الله سبحانه فهو الخالق والبارئ والمصور، وهذا المعنى يستفاد أيضا من الاخبار.
1) ذكر المحققون للمشيئة الواردة في الاخبار معان: منها: العلم. ومنها:
تهيئة أسباب الفعل بعد إرادة العبد له، ومنها: أنها إرادة بالعرض تتعلق بفع‍ - ل العبد، ومنها: أنها عبارة عن عدم صرفه تعالى إياه عن تلك الإرادة بالألطاف

(1) مجمع البيان 4: 101.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»
الفهرست