الجليل الأواه نعمة الله.... كان من أعاظم علمائنا المتأخرين، وأفاخم فضلائنا المتبحرين، واحد عصره في العربية والأدب والفقه والحديث، وأخذ حظه من المعارف الربانية بحثه الأكيد وكده الحثيث، لم يعهد مثله في كثرة القراءة على أساتيد الفنون، ولا في كسبه الفضائل من أطراف الخزون بأصناف الشجون. كان مع مشرب الاخبارية كثير الاعتناء والاعتداد بأرباب الاجتهاد، وناصر مذهبهم في مقام المقابلة منهم بأصحاب العناد وأعوان الفساد، صاحب قلب سليم، ووجه وسيم، وطبع مستقيم، ومؤلفات مليحة، ومستطرفات في السير والآداب والنصيحة، ونوادر غريبة في الغاية، وجواهر من أساطير أهل الرواية.
إلى غير ذلك من اطراء أصحاب المعاجم وأرباب التراجم، ولقد وصفوه وأثنوا عليه جميل الثناء، واكتفينا بهذا النزر القليل من الاطراء عليه، وفيه كفاية لمن له قلب سليم.
سير في حياة المؤلف بقلمه الشريف:
قد كتب المترجم قدس سره نبذة من حياته العلمية والاجتماعية وعن بدو تحصيله، وقاصي فيه المشقات الشديدة والعقبات الهائلة حتى حاز أعلى مرتبة الكمال والسعادة في الدارين، وها هو شأن علمائنا العاملين والذين حازوا المكانة العلمية والاجتماعية في المجتمع الثقافي، وما بلغوها الا بالمصائب المؤلمة والابتلاءات الشاقة والأهوال الفجيعة، وأنا أذكر هنا نص ما كتبه المترجم عن حياته، وقد ترجمه المحقق الخبير الشيخ التنكابني في خاتمة كتابه قصص العلماء باللغة الفارسية، واليك نص ما كتبه المترجم في خاتمة كتابه أنوار النعمانية:
إعلم أطال الله بقاك أن مولد الفقير هو سنة خمسين بعد الألف، وسنة تأليف هذا الكتاب هي السنة التاسعة والثمانون بعد الألف، فهذا العمر القليل قد مضى منه تسعة وثلاثون سنة، فانظر إلى ما أصاب صاحبه من المصائب والأهوال.
ومجمل الأحوال هو أنه لما مضى من أيام الولادة خمس سنين، وكنت مشغوفا باللهو واللعب الذي يتداوله الأطفال، فكنت جالسا يوما مع صاحب لي ونحن في بعض لعب الصبيان إذ أقبل إلي المرحوم والدي، فقال لي يا بني امض معي إلى المعلم وتعلم الخط والكتابة حتى تبلغ درجة الاعلام، فبكيت من هذا الكلام وقلت: هذا شئ لا يكون،