فهووا فيها سبعين خريفا، فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفير لهبها فلا يستقرون ساعة فذلك قوله: " كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها " أي كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي يأخذ بأنفاسهم حين ليس لها مخرج ردوا إليها بالمقامع " وذوقوا عذاب الحريق " أي ويقال لهم: ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم، والحريق الاسم من الاحتراق.
وفي قوله: " بإلحاد " الالحاد: العدول عن القصد. وفي قوله: " معاجزين " أي مغالبين، وقيل: مقدرين أنهم يسبقوننا، وقيل: ظانين أن يعجزوا الله، أي يفوتوه ولن يعجزوه، وفي قوله: " تلفح وجوههم النار " أي تصيب وجوههم لفح النار ولهبها واللفح والنفح بمعنى، إلا أن اللفح أشد تأثيرا وأعظم من النفح " وهم فيها كالحون " أي عابسون، عن ابن عباس، وقيل: هو أن تتقلص شفاههم وتبدو أسنانهم كالرؤوس المشوية عن الحسن " ألم تكن آياتي تتلى عليكم " أي ويقال لهم: ألم يكن القرآن يقرء عليكم، وقيل: ألم تكن حججي وبيناتي وأدلتي تقرء عليكم في دار الدنيا " فكنتم بها تكذبون * قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا " أي شقاوتنا، وهي المضرة اللاحقة في العاقبة، والمعنى: استعلت علينا سيئاتنا التي أوجبت لنا الشقاوة " و كنا قوما ضالين " أي ذاهبين عن الحق " ربنا أخرجنا منها " من النار " فإن عدنا " لما تكره من الكفر والتكذيب والمعاصي " فإنا ظالمون " لأنفسنا، قال الحسن:
هذا آخر كلام يتكلم به أهل النار، ثم بعد ذلك يكون لهم شهيق كشهيق الحمار " قال اخسؤا فيها " أي ابعدوا بعد الكلب في النار، وهذه اللفظة زجر للكلاب، وإذا قيل ذلك للانسان يكون للإهانة المستحقة للعقوبة " ولا تكلمون " وهذه مبالغة للاذلال والإهانة وإظهار الغضب عليهم، وقيل: معناه: ولا تكلموني في رفع العذاب فإني لا أرفعه عنكم " إنه كان فريق من عبادي " وهم الأنبياء والمؤمنون " يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين " أي يدعون هذه الدعوات في الدنيا طلبا لما عندي من الثواب " فاتخذتموهم " أنتم يا معشر الكفار " سخريا " أي كنتم تهزؤون بهم، وقيل: معناه: تستعبدونهم وتصرفونهم في أعمالكم وحوائجكم كرها بغير أجر " حتى أنسوكم ذكري " أي نسيتم ذكري لاشتغالكم بالسخرية منهم،