مختصة بمن لا يستحق دخول النار فلا يدخلها، أو بمن استحق فيفضل عليه بالعفو فلا يدخلها، ويجوز أن يكون المراد: وقاهم عذاب الجحيم على وجه التأييد، أو على الوجه الذي يعذب عليه الكفار " فضلا من ربك " أي فعل الله ذلك بهم تفضلا منه، لأنه سبحانه خلقهم وأنعم عليهم، وركب فيهم العقل وكلفهم، وبين لهم من الآيات ما استدلوا به على وحدانية الله تعالى وحسن الطاعات فاستحقوا به النعم العظيمة، ثم جزاهم بالحسنة عشر أمثالها فكان ذلك فضلا منه عز اسمه، وقيل: إنما سماه فضلا وإن كان مستحقا لان سبب الاستحقاق هو التكليف والتمكين، وهو فضل منه تعالى " ذلك هو الفوز العظيم " أي الظفر بالمطلوب العظيم الشأن.
وفي قوله تعالى: " عرفها لهم " أي بينها لهم أي بينها لهم حتى عرفوها إذا دخلوها، وتفرقوا إلى منازلهم وكانوا أعرف بها من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم، عن ابن جبير وأبي سعيد الخدري وقتادة ومجاهد وابن زيد، وقيل: معناه: بينها لهم وأعلمهم بوصفها على ما يشوق إليها فيرغبون فيها ويسعون لها، عن الجبائي، وقيل: معناه:
طيبها لهم، عن ابن عباس في رواية عطاء، من العرف وهو الرائحة الطيبة، يقال: طعام معرف أي مطيب.
وفي قوله جل وعلا: " من ماء غير آسن " أي غير متغير لطول المقام كما تتغير مياه الدنيا " وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " فهو غير حامض ولا قارص (1) ولا يعتريه شئ من العوارض التي تصيب الألبان في الدنيا " وأنهار من خمر لذة للشاربين " أي لذيذة يلتذون بشربها ولا يتأذون بها ولا بعاقبتها، بخلاف خمر الدنيا التي لا تخلو من المرارة والسكر والصداع " وأنهار من عسل مصفى " أي خالص من الشمع و الرغوة والقذى ومن جميع الأذى والعيوب التي تكون لعسل الدنيا " ولهم فيها من كل الثمرات " مما يعرفون اسمها ومما لا يعرفون، مبرأة من كل مكروه يكون لثمرات الدنيا " ومغفرة من ربهم " أي ولهم مع هذا مغفرة من ربهم وهو أنه يستر ذنوبهم وينسيهم إساءتهم حتى لا يتنغص عليهم نعيم الجنة.